يا لهفي عليك يا أرض ابي و أمي و أجدادي, و يا أيتها التي عشت فيها الميلاد و أعياد الميلاد و الأيام السعيدة و الأخرى الشداد, يا لهفي عليك إني لم اطق الم البعاد.
يامن كنت المدينة الفاضلة لقرون طويلة , لا يمل من مجالستك الاهل و لا الزوار ,يحج اليك الناس للزيارة و أخذ الثمار.
يا لهفي عليك و قد تقاذفتك السنون و الايام ,و بدت تجاعيد الدمار و الخراب على وجهك بعد رحيل أهلك عنك ,و الذين كانوا زينتك ,فكم من بيت فيك قد عمه الدمار و سكنته الأشباح و اتخذت منه بيوتا و تفننت في تزيينه العنكبوت بأحلى نسيج لها.وعمت رائحة الجردان كل الأرجاء و اتخذت السقوف النخرة جحورا.
يا من كنت الحامل و المرضعة و الحاضنة ,ها انت أصبحت لا تطيقين حتى التفكير في الإنجاب ,نعم في إنجاب قوم يخلفون السلف و يعمرون أرضا دفع فيها أجدادهم الغالي و النفيس فكنت كل حياتهم .و ها أنت أصبحت صفرا في برصة قيم العقار.
و يا أسفي عليك يا بلدتي الحبيبة فكم أحن إلى ماضيك الفتي الذي دفن.كلما تذكرت ذكرياتي معك ,إلا و وقفت بمخيلتي أبكي على طللك و جسدك الذي بدأت تفارقه الحياة ,و انساب الى أرجاءك الشلل .فضاؤك اصبح يخيف أهلك بالنهار و يقف ليلك في وجه زائر يطلب "ضيف الله " .
فبقلب ينبض شوقا و لهفا عليك يا مزكيدة الجود و الكرم و بقلب يتمزق حسرة على هجرانك لأهلك و هجران أهلك لك ,فاسمك أصبح وقع لفظه خنجرا يمزق أحشائي كلما التقطته اذناي ,فما الخطب ؟
فلا اهل لعاداتهم حافظون و لا أرض لخصوبتها مبقية و لا ينابيع تجود كما كانت من قبل.فكل شيء فيك يا مسقط رأسي فقد حلاوته ,و عمت فوضى الدمار و الخراب .و انقطعت أوصال الأقارب ,فكم أخشى عليك أن تصبحي و حيدة مهجورة.
فالحديث عنك يا بلدة أبي ,بعدما كنت أتلذذ بتبادله مع كل من هب و دب ,أصبحت اجد نفسي عاجزا ,و احس بمرارة الحديث في فمي ,و أجد صعوبة في إيجاد الكلمات المعبرة الملائمة لوصف ما جرى و ما يجري ,لأن الحقل المعجمي المحدد لحديثنا سيكون سلبيا على غرار الرحيل ,الجفاف ,الفراغ,البطالة...
و بعدما كانت شعلة "الفكيرة " فقط تكفي لإجلاء ظلمة الليل الحالكة و تنير أنس و مسامرة الشيوخ و الشباب و حب معانقتك ايتها الأرض الطيبة ,أصبحت شبحا يخيف ,و لم تستطع مغريات العصر من كهرباء و ماء و إعلاميات ,إقناع أهلك للتفكير في مصاحبتك فما الخطب؟
إن الناس هم زينة المكان و صحبته في تمضية الزمان ,فلا مكان بدون ناس يعمرونه و لا زمان بدون ناس يمضونه مع بعضهم البعض.
فهذه هي حكايتك أيتها المهجورة ,ايتها العجوز التي عبث بها الزمان , حكاية تسمع الصم بكاء أهلك عليك ,و يرتد على و قعها كل من غض طرفه عنك بصيرا.
فسلام عليك الف سلام بقلبي و دمي و فمي ,و ازف إليك ملايين التحايا و بيد و قلب يهتزان شوقا إليك ,و بدم من أفنوا حياتهم لأجلك و بحب من يعيشون على أرضك و عصارة خيراتك , أكتب هذه الكلمات ,كلمات و تأوهات ,لأقف وقفة إجلال و إكبار و لأحيي صمود أصحاب السواعد الذين يكافحون مع أرض لم تعد تشفق و يقاومون جوا لم يعد يجود.
وعبوت محمد