منتدى مزكيدة

مرحبا بك فمزكيدة

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى مزكيدة

مرحبا بك فمزكيدة

منتدى مزكيدة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى مزكيدة

موقع مزكيدة التواصلي من اجل صنع و حفظ الذاكرة

FORUM MEZGUIDA منتدى مزكيدة
نرجو من جميع الأعضاء المساهمة الفعالة بالمساهمة
اأعضاءنا الأعزاء بمناسبة نتمنى لكم رمضانا مباركا كريما و كل عام و انتم بخيرانتقال الفكر الدرقاوي الى الجنوب الشرقي للملكة المغربي Images11
جميعا من اجل صنع الذاكرة

    انتقال الفكر الدرقاوي الى الجنوب الشرقي للملكة المغربي

    المؤسس
    المؤسس
    المؤسس
    المؤسس


    عدد المساهمات : 459
    تاريخ التسجيل : 29/01/2011

    انتقال الفكر الدرقاوي الى الجنوب الشرقي للملكة المغربي Empty انتقال الفكر الدرقاوي الى الجنوب الشرقي للملكة المغربي

    مُساهمة من طرف المؤسس الجمعة 03 يونيو 2011, 15:34

    راهنت الزاوية الدرقاوية كثيرا على مفهوم الجهاد، والاعتزاز بالإسلام والموت من أجل حماية داره والحفاظ عليه، فانتقل ثقلها من المناطق الداخلية للمغرب إلى المجالات الحدودية؛ كما هو الحال في جنوب شرق المغرب، في ظرفية صعبة وعسيرة اتسمت بالتحولات الدولية التي أثرت بشكل واضح على المغرب، وخاصة المنافسة المسعورة بين الدول الأوربية حول المستعمرات في إفريقيا وآسيا، فبدأت الإيالة الشريفة تخضع لضغوط استعمارية على شتى الأصعدة، واتخذ المستعمر عدة وسائل وأساليب للتوغل في بلاد المغرب كالوسائل المالية والتجارية والدبلوماسية والدينية( التبشير) وحتى العسكرية، للضغط على السلطة المخزنية من أجل تقديم المزيد من التنازلات تجاهه والقبول بمخططاته وإملاءاته، وخاصة بعد احتلال الفرنسيين للجزائر عام 1830، وشروعهم في توسيع مستعمرتهم الجديدة غربا على حساب التراب المغربي. كان ذلك من بين العوامل الحاسمة في استقطاب الفكر الطرقي جنوب شرق المغرب، وتكتل القبائل حول شيوخ الزوايا وأهل الطرق هناك من أجل مجابهة الفرنسيين والتصدي لهم؛ ومن أهم الطرق التي بات لها حضور وازن في تلك المجتمعات القبلية، نجد الطريقة الدرقاوية التي أصبح لها وجود وحضور مؤسساتي، وخاصة في منطقة مدغرة التي تعتبر صاحبة الفضل الأول في انتقال الفكر الدرقاوي من شمال المغرب(فاس) نحو الجنوب الشرقي وذلك عن طريق ابن القاضي المدغري الشهير، سيدي محمد بن الهاشمي. هذا الابن هو سيدي محمد بن العربي المزداد بقصر مدغرة عام 1801م/1216هـ، وينحدر من أسرة شريفة لها مكانتها المتميزة ضمن باقي أهالي منطقة مدغرة والرتب وقصر السوق وكل التجمعات السكانية على ضفتي زيز الأعلى والأوسط.

    تفيد الروايات التاريخية أن سيدي محمد بلعربي توجه إلى جامع القرويين بفاس للتبحر في العلوم والاحتكاك بأهل الصنائع وفطاحل الشيوخ. وبعد دراسته في العاصمة العلمية لمدة طويلة عاد إلى بلاد مدغرة، على الضفة اليسرى لزيز الأوسط وهو يتحرق شوقا لنشر ما تيسر له من العلم والمعرفة بين أهاليه، سيما وأنه تأثر في فاس بالفكر الصوفي الدرقاوي، فأسس قرب مسقط رأسه زواية رحمة الله الدرقاوية، ثم أسس زاوية ثانية في تافيلالت جنوب السفالات وهي زاوية ﮔـاوز قرب قصر تينغراس التاريخي، فاتخذ سيدي محمد بلعربي زاوية رحمة الله مقرا له، وعُرف بـ"الرجل الصالح الناصح المخلص العابد الزاهد الداعي إلى ربه بقلبه وقالبه…وكان من التواضع وعدم الاستشراف للرياسة بالمكانة التي يغبط عليها…فقد كان هذا الشريف كله غيرة وشعلة نار في وجوه المستعمر وهو من عباد الله الصالحين"، ولهذه المكانة العلمية والروحية والخصال العالية، صار لسيدي محمد بلعربي في المنطقة صيت قوي، جعل الطلبة والمريدين يتوافدون عليه من كل ضواحي الجنوب الشرقي المغربي، ومنهم من كان يتقاطر عليه من جنوب غرب الجزائر المحتلة؛ بل إن شهرة هذا المتصوف المدغري الدرقاوي سرعان ما طفقت الآفاق ووصلت إلى بلاد الكنانة وبلاد ما بين النهرين؛ إذ وفد عليه أهالي بغداد في زاوية رحمة الله للأخذ عنه والاغتراف من مناهله، فصار وحيد منطقته على مستوى الأتباع والشهرة، كما أضحى تلامذته يعدون بالآلاف.

    أصبحت الزاوية الدرقاوية أهم مكون للحقل الصوفي والمشهد السياسي في جنوب شرق المغرب، وصارت مؤهلة للعب أدوار حاسمة في الدعوة إلى الجهاد ومكابرة الأعداء المسيحيين، إلى حد أن إشعاعها الروحي ونفوذها السياسي ألقيا بظلالهما على الأدوار المخزنية في مجتمعات الجنوب الشرقي؛ لذلك لم تتوان السلطة المخزنية بتافيلالت في مغازلة الزاوية الدرقاوية في ﮔـاوز، وخاصة بعد ما انتقل ثقلها إلى داخل القصور الفيلالية، وبات لها العديد من الأتباع هناك، فلم يعد بالإمكان الفصل بين أدوارها السياسية والروحية بعد ما اتضحت النوايا السيئة للأوربيين تجاه المغرب غداة حربي إيسلي وتطوان، وما وازاهما من اتفاقيات ومعاهدات مذلة للسيادة المغربية؛ مثل معاهدة للا مغنية 1845م والاتفاقية المغربية الإنجليزية 1856م والاتفاقية المغربية الإسبانية 1860-1861 م والاتفاقية المغربية الفرنسية 1863م وصولا إلى مؤتمر مدريد1880م الذي فرض الحمايات القنصلية على المخزن، وفوت جزءا من المجتمع المغربي لصالح الأجانب.

    الزاوية الدرقاوية والدعوة إلى الجهاد:

    أمام هذه الدسائس الخطيرة التي كانت تحاك ضد المغرب بهدف السيطرة عليه والتدخل في شؤونه، وبعد إقرار المخزن المغربي بالأمر الواقع تحت ذريعة عدم السباحة ضد التيار الجارف، قام سيدي محمد بلعربي الدرقاوي بدق ناقوس خطر الوضع السياسي في المغرب، منبها لمخاطر التواجد الأوربي على السواحل المغربية بدعوى القيام بالأنشطة الاقتصادية التجارية والفلاحية، مؤكدا أن الوضع يستدعي تأهب المجتمع لممانعة النصارى، ومحذرا الناس بأن "مقدمة البوار الأمن من عدو الدين وعدم المبالاة بما يفعله في أرض المسلمين، وترك التفطن إليه حتى يصير يأمر وينهى ويمتثل أمره في سواحل أهل الإيمان والدين، ولا يتفطن إليه وينتبه حتى يتفاقم الواقع ويتسع الخرق على الرقع"؛ كما دعا إلى الجهاد ومحاربة النصارى وعدم الالتزام بالاتفاقات والمواثيق التي وقعها المخزن معهم، بعد ما اكتوى بنيرانها نظرا إلى قربه من الحدود الجزائرية، فشرع في مكاتبة قصور مدغرة، وتافيلالت، والرتب، والزوزفانة، والساورة، وﮔـير، وصولا إلى فـﮔـيگ، "مكاتب كلها حث وتحريض على الدفاع عن الإسلام وحماية الوطن"، وبدأت رسائله الجهادية تقتحم مجالات قصية ومجتمعات نائية "كأهل سوس والصحراء وقبائل البربر كبني مـﮔـيلد ونحوهم [ يأمرهم ] بالتحريض على الجهاد والنهوض إليه"، ودعا إلى مقاطعة البضائع الأجنبية وعدم المتاجرة مع النصارى، بعد ما لاحظ أن الفرنسيين يتخذون من التجارة سبيلا للتغلغل في الأراضي المغربية ومخالطة المغاربة وتعويدهم على معاشرتهم والتعامل معهم في انتظار السيطرة النهائية على البلاد المغربية، فأصدر في هذا الشأن عددا من الفتاوى يحرم فيها هذا التعامل ويحظر فيها هذه التجارة، حاثا كافة القبائل والحواضر على عدم تمكين العدو من سلع حيوية "من خيل وإبل وبارود وشياه وبهائم وثياب وصوف وغير ذلك، بعد ما بلغنا أنهم قطعوا الكبريت على المسلمين منذ زمان وكثرت علينا الأخبار والمراسلات بهذا الأمر، ولم يبالوا ولم يتنبهوا ولا تفطنوا لما أصابهم، وأحزننا ذلك غاية وأكربنا غاية…وخفنا على ما بقي من هذه الأمة أن يقع لها ما وقع لجزيرة الأندلس وغيرها من مدن الإسلام، ولم يفت هذا الشريف المدغري التنديد الشديد بكل من يعمل لدى الفرنسيين من أبناء تافيلالت وأهالي الجنوب الشرقي ضمن الأوراش الخاصة بمد السكك الحديدية شرق فـﮔـيگ، وتعبيد الطرق غرب الجزائر، فأصدر في هذا الصدد أيضا فتاوى تحرم ذاك العمل وتجعله باطلا ومغضبا لله ولرسوله، فكان يحذر القبائل الفيلالية وغيرها "من إعانة النصارى بأي خدمة كانت، فكان لنداءاته وقع كبير في نفوس السكان بالمناطق الحدودية، إلى درجة أن السلطات الفرنسية استشعرت مدى التجاوب الكبير الذي أبدته القبائل تجاه هذا المرابط، وخاصة عند ما بدأ ينشر بعض المناشير تدعو المجاهدين إلى التصدي للنصارى الفرنسيين ليس فوق التراب المغربي وحسب؛ بل داخل التراب الجزائري أيضا، باعتبارهم كفارا يهددون الإسلام في المغرب بعد ما اقتحموه في الجزائر، مما جعل السلطة الفرنسية تتابع باهتمام زائد أنشطة الشيخ المدغري، وترصد حركاته وسكناته عبر عيونها المبثوثة في جنوب شرق المغرب؛ إذ أشار القنصل الفرنسي في طنجة يوم 12 أبريل 1888م أن لمولاي العربي الدرقاوي اتصالات ومكاتبات مكثفة مع القبائل الصحراوية من سوس إلى وادي نون، وأن مجمل القبائل استجابت لدعواته، ناهيك عن اتصاله بقبائل آيت عطا وآيت يافلمان؛ بل كانت له مراسلات خارج الإمبراطورية الشريفة في اتجاه الجزائر، وتونس، وطرابلس، ومصر، وكانت مضامين هذه المراسلات تتمحور حول الدعوة إلى الجهاد والتنديد بالمخزن المغربي الذي وُصِف بالرعديد والجبان والمتردد في اتخاذ موقف حازم تجاه الفرنسيين الغزاة، وأن على السكان بكافة أطيافهم أن يأخذوا المبادرة بأنفسهم، ويهُبّوا للدفاع عن شرفهم دون انتظار أوامر من السلطة المركزية؛ مما جعل المغرب يخضع لانتقادات خارجية لاذعة وخاصة من قبل الفرنسيين، الذين مارسوا ضغوطات شديدة على السلطان مولاي الحسن(1873-1894م)، حاثين إياه على لجم الشيخ المدغري، الشيء الذي أحرج كثيرا الأجهزة المخزنية، التي بادرت إلى طمأنة الفرنسيين بأن القبائل الحدودية تحت سيطرة المخزن ولا تأبه بدعاوى الدرقاوي، وهي تحترم الهدنة الموقعة بين الطرفين، كما أن بوعمامة الجزائري استغل هذه الأجواء الجديدة على خلفية مؤتمر مدريد واستطاع سنة 1881م/ 1299هـ أن يؤلب عددا هاما من القبائل المغربية ضد القوات الفرنسية في منطقتي الزوزفانة وفـﮔـيگ "خصوصا وأن صورته كزعيم لآخر مقاومة في الجزائر كانت لا تزال حية في أوساط القبائل المتعطشة لمثل تلك الزعامة. قام الثوار يهاجمون سلطات الاحتلال غرب وهران، فوجدها الفرنسيون فرصة من ذهب لفرض إملاءاتهم على المخزن وإخضاعه للأمر الواقع، من خلال بناء عدد من المراكز العسكرية المتقدمة بدعوى حماية المعمرين من هجمات الثوار الصحراويين؛ مثل مركز عين الصفراء، ومركز جنين بورزگ على بعد 50 كلم من فـﮔـيگ، وبذلك ازدادت القبائل الحدودية تيقنا من النوايا الخطيرة للفرنسيين، فشرعت في استجماع قواها وتوحيد صفها عن طريق إحياء عهد "الخاوا" والقوانين العرفية المنظمة له وبدأت في شراء الأسلحة والبحث عنها بكافة الوسائل؛ كمهاجمة بعض المراكز الفرنسية والسطو على عتادها، فصارت الأجواء منذرة بانفجارات مهولة إذا لم يتم التصدي لها بنوع من الحزم والصرامة، سواء بالمناطق الحدودية في المجالات الخباشية والمنيعية، أو بالمناطق الداخلية كما هو الحال في مجالات اتحادية آيت يافلمان.

    الزاوية الدرقاوية والسلطة المخزنية

    استغل الشيخ المدغري كل هذه الظروف التي كانت تصب في صالحه، وكثف من مراسلاته ودعواته الجهادية، منتقدا في نفس الوقت موقف المخزن من الأخطار المحدقة بالسيادة المغربية، فلقيت نداءاته تجاوبا كبيرا من قبل المجتمعات القبلية في الجنوب الشرقي شملت قصور تافيلالت، والرتب، ومدغرة، وقصور فركلة، وتودغة، وصولا إلى مناطق الساورة، وسوزفانا، وأعالي ﮔـير؛ وبذلك أضحت أهم التكتلات القبلية الممتدة من السفوح الجنوبية الشرقية للأطلس الكبير إلى غاية الحدود المغربية الجزائرية متعاطفة إلى حد كبير مع الفكر الدرقاوي، ومعادية للتصور المخزني، ولم يعد بإمكان مولاي رشيد، الخليفة السلطاني في تافيلالت، أن يتجاهل خطورة هذه التكتلات وانعكاساتها على السلطة المخزنية محليا ومركزيا، الشيء الذي جعله لا يتردد في إشعار أخيه السلطان مولاي الحسن بالوضع المرير والظرفية الدقيقة التي تمر بها المنطقة؛ لذا فإن السلطان لم يتوان عام 1882م/1300هـ في تنظيم حرْكة سلطانية قوية ضد المناطق المعنية، وخاصة ضد القبائل العطاوية وقبائل آيت يافلمان، لكبح جماحها وتطويعها؛ كما حاول احتواء الفكر الدرقاوي ومحاصرته عبر بث التفرقة في صفوف أتباع ومؤيدي مولاي محمد بلعربي المدغري، من خلال التركيز على العناصر الشريفة وتقريبها من الأجهزة المخزنية، ناهيك عن إرساله لجملة من الرسائل السلطانية إلى أهالي تافيلالت يحثهم فيها على عدم إتباع الشيخ المدغري واصفا إياه بـ"الشخص الشرير الذي يقود المسلمين إلى الهلاك…وأنه عنصر للفتنة الذي لا يتبع طريق الشريعة؛ لكن المسألة كانت أعمق مما تصورته الأجهزة المخزنية؛ لأن جل فئات الصلحاء، والشرفاء، والعلماء، والفقهاء، كانت تسير في نفس الخط الذي سار عليه الشيخ المدغري فيما يتعلق باستنهاض الهمم والتحريض على الجهاد "فالتفَّت حولهم القبائل الأمازيغية والعربية لاعتقاد أبنائها الراسخ بصحة مواقفهم، باعتبارها مبنية على الكتاب والسنة، فلم يترددوا في الالتحاق بدعوة أي شريف، أو عالم، أو متصوف، رفع راية الجهاد.

    إن هذا الانتشار الكبير للفكر الدرقاوي في الجنوب الشرقي المغربي، جعل السلطة المخزنية تزاوج في تعاملها معه : تارة بالتقرب والمحاباة وتقديم التنازلات والامتيازات، وتارة أخرى بالتهديد والترهيب والوعيد، وهكذا حاول المخزن مقايضة مواقف مولاي العربي الدرقاوي عبر عطايا جزيلة مغرية؛ حيث خصص له السلطان مولاي الحسن منة حولية قدرها أربعون قنطارا من الحبوب، وكانت قيمة كل قنطار زهاء 1250 فرنكا فرنسيا؛ أي ما مجموعه خمسون ألف فرنكا فرنسيا في كل حول، وبذلك حاولت الأجهزة المخزنية أن تحتوي زاويتي ﮔـاوز ورحمة الله الدرقاويتين كما احتوت الزاوية الزروالية في القنادسة.

    لكن هذه المحاولات المخزنية لم تحقق النجاحات المنتظرة منها بسبب اعتبارات موضوعيات وواقعية، أهمها تزايد حدة التغلغل الفرنسي في الحدود الجنوبية الشرقية، وخاصة في واحة توات. فازدادت بذلك خيبة القبائل الحدودية، وارتفعت حدة درجة احتقانها تجاه الأجهزة المخزنية المحلية والمركزية؛ مما حدا بقائد توات إلى طلب العون من الخليفة السلطاني مولاي رشيد في تافيلالت، حاثا إياه على ضرورة التعجيل بالقضية التواتية قبل فوات الأوان؛ بيد أن الوضع في تافيلالت كان يغلي فوق صفيح ساخن من جراء الفيضان المهول الذي خلفه وادي زيز في نهاية عام1886م/ 1305هـ الذي غمر العديد من القصور، وجرف المقابر، والأسوار، والحصون، والدور"ولم تبق بقعة إلا غرقت، ولا ساكنة إلا تحركت؛ وتلاه في العام الموالي تعرض المنطقة لموجة جراد خطيرة لم تعرف نظيرا لها، أتت على الأخضر واليابس، ولم تترك للناس مزروعا ولا مغروسا إلا قضمته، فقلت المحاصيل وجاع الناس ووَبَأوا .مما جعل كثيرا من الفئات المتضرر تتململ ضد مولاي رشيد، مطالبة المخزن بإعادة بناء قصورها وترميم أسوارها وحصونها، وتوفير ما يلزم من المؤن والحبوب والثمور، فكادت الهيعة أن تقوم لولا أن السلطان مولاي الحسن طمأن أهالي تافيلالت أنه سيزورهم في القريب العاجل، كما أعطى أوامره لخليفته مولاي رشيد بالعمل على البدء في ترميم ما دُمر، وإصلاح ما خُرب.

    كل هذه العوامل كانت تصب في صالح المسار الذي خطته الزاوية الدرقاوية لنفسها في علاقتها مع المجتمع القبلي والمخزن، فتقوى صفها، وانتشرت أفكارها وآراؤها، وعلت كلمتها، وباتت طريقتها تشكل تيارا سياسيا، وفكرا إيديولوجيا، يتعارض مع التصورات المخزنية فيما يتعلق بمعالجة القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لسكان الجنوب الشرقي.

    هذه الأجواء المحتقنة في تافيلالت وضواحيها، لم يكن بمقدور الأجهزة المخزنية المحلية احتواؤها والسيطرة عليها، مما حتم على الجهاز المخزني التحرك بشكل مستعجل لتدارك الأمور قبل فوات الأوان؛ وبذلك نظم السلطان حركة عسكرية في اتجاه الديار الفيلالية، هدف من خلالها إلى تطييب الخواطر والتقليل من فورة السكان، وإرجاع المياه إلى مجاريها، وذلك إدراكا منه لمدى أهمية هذه المنطقة في ترسيخ دعائم حكمه؛ لذا زاوج في تعامله مع أهاليها -خلال هذه الزيارة وغيرها- بين أسلوبي الترهيب والترغيب؛ حيث ضرب خيام محلته أولا قرب قصري الريصاني وبوعام، وثانيا في المجال الممتد ما بين قصور الماطي، وتازكَزوت وزاوية سيدي الغازي. فأبدى للسكان حسن نيته في تعاطيه مع قضاياهم وشؤونهم؛ وذلك من خلال العطايا والهبات التي قدمها لهم والتي بلغت قيمتها مبالغ هامة جريا على عادة السلاطين العلويين الذين يبدلون سخاء كبيرا تجاه مهد دولتهم بتافيلالت، ناهيك عن اهتمامه بترميم القصبات وتشييد القصور والمساجد، ومساعدة الأهالي على مد السواقي وحفر الترع، وحمايتهم من هجمات القبائل المجاورة.

    لكن هذه الزيارة السلطانية للريصاني لم تحقق نتائجها المرجوة بخصوص القضايا الحدودية، وخاصة مسألة توات التي وصلت إلى عنق الزجاجة، فكانت هذه الزيارة بمثابة صب الزيت على الفتيل داخل المجتمعات القبلية التي تعنيها الأزمة بشكل مباشر، والتي لم يبق أمامها سوى خيار الاعتماد على النفس والاستعداد للجهاد ومكابرة العدو النصراني، في الوقت الذي طفا على الساحة السياسية المغربية نقاش ساخن بخصوص الإصلاحات الجبائية الجديدة التي يعتزم السلطان إحداثها، ولا سيما مشروع "ضريبة الترتيب" الذي تم إعداده عام 1886م/1304هـ، الهادف إلى تضريب كافة الفئات الاجتماعية بما فيها الشريف والمشروف، يسهر عليه الأمناء والعدول بدل القياد والعمال؛ لكن هذا الإصلاح الضريبي سمي بـ"الإصلاح المستحيل"؛ نظرا إلى رفضه من قبل الشرفاء، والخاصة، والقياد، والعمال، والخلائف؛ كما أن المحميين والأجانب كان لهم النصيب الأوفى في إثناء السلطان عن هذا النظام بعد الضغط عليه من قبل الحكومات الأجنبية؛ كبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإسبانيا، وغيرها، التي كانت لها أطماع ومصالح كثيرة في الإمبراطورية الشريفة.

    ازداد الوضع احتقانا في المغرب عامة وفي الجنوب الشرقي خاصة، وانعكس ذلك بشكل آلي على السلطة المخزنية في تافيلالت وضواحيها، ومنح الفئات المناوئة للمخزن فضاء أوسع وأرحب، وخاصة بالنسبة إلى الشيخ مولاي بلعربي الدرقاوي وأتباعه، وبعض القبائل الحدودية المتضررة من السياسة الفرنسية؛ مثل القبائل المنيعية والقبائل الخباشية، ناهيك عن الشيخ بوعمامة الذي ضيق عليه الفرنسيون كثيرا بالمناطق الحدودية المغربية-الجزائرية بعد بنائهم لسلسلة من المراكز العسكرية فوقها، مما دفع بوعمامة إلى التوجه نحو تافيلالت قادما إليها من تيكورارين، فحل ضيفا على الشيخ الدرقاوي بزاوية ﮔـاوز، هذا الأخير كانت رسائله تصل إلى بشار وفـﮔـيگ ووهران وغيرها من المناطق في المغرب وداخل الجزائر المحتلة، فطلب منه بوعمامة العون والمساعدة لحركته الجهادية ضد النصارى؛ لكن بوعمامة لم يفلح في تحقيق أهدافه من خلال هذه الزيارة نظرا إلى الشبهات التي كانت تدور حول حركته، وبفعل تقلبات مواقفه بين التعامل مع النصارى ومجاهدتهم، كما أن الضغط الذي مارسه الخليفة مولاي رشيد على الشيخ المدغري المعتل بزاويته، كان من العوامل التي أفشلت مساعي بوعمامة الذي عاد إلى تيكورارين خاوي الوفاض.

    وفاة الشيخ الدرقاوي وقيادة تلامذته للمجتع القبلي جنوب شرق المغرب:

    في هذه الظرفية الصعبة جنوب شرق المغرب، ألمت فاجعة كبرى بالمجتمع القبلي وبكافة العناصر الدرقاوية، بسبب وفاة شيخهم القطب مولاي محمد بلعربي الدرقاوي المدغري عام 1892م/1310هـ، فأحدثت وفاته ارتباكا في أحد أنشط فروع الطريقة الدرقاوية في كافة أنحاء الإمبراطورية الشريفة؛ لكن الذي زاد من هيعة أتباع الشيخ الدرقاوي هو ما وصى به أبناءه فيما يتعلق بقيادتهم للزاوية؛ حيث أمرهم بعدم تزعمها، كما ألح عليهم في التخلي عن قيادتها، وهو الأمر الذي جعل كل مريديه وتلامذته وأتباعه والقبائل المتعاطفة معه، يصابون بنوع من الذهول لغرابة هذا القرار وعدم واقعيته من جهة، ولخطورته من جهة ثانية؛ لأنه جاء في ظرفية دقيقة للغاية كان المجتمع القبلي في الجنوب الشرقي أحوج ما يكون لأبناء الشيخ؛ بغية قيادتهم وجمع كلمتهم أمام الضغط الفرنسي والتهديد المخزني المتزايدين، فساد كثير من الحزن والأسى كافة أتباع الطريقة الدرقاوية، سيما وأنها كانت قد تجذرت في عمق المجتمعات القبلية برمتها وذلك بتفريخها لما يربو عن ثلاث وأربعين زاوية انتشرت في دادس، وتودغة، وفركلة ومدغرة، والرتب، وبوذنيب، وفي أغلب القصور الفيلالية.

    اعتقد المخزن المركزي والمحلي أن وفاة شيخ الزاوية الدرقاوية في تافيلالت سيهون عليه موقف القبائل في الجنوب الشرقي، فنظم السلطان مولاي الحسن زيارة لتافيلالت للمرة الثانية عام 1893، حيث قام بمعاقبة الذين وردت عليه في شأنهم بعض المراسلات الخليفية؛ كالدرقاويين والمتعاطفين معهم، الذين باؤوا بسخطه وغضبه، فنكل بالكثير منهم، وانتقم منهم غاية الانتقام، إلى درجة أن مرافقه الطبيب الفرنسي ليناريس(Linares) وصف شيخ الزاوية الدرقاوية سيدي محمد بن أحمد أنه صار يعيش في حالة من العزلة والتهميش والمذلة في زاويته"مثل كلب في دار مهجورة .

    لكن السلطة المخزنية غاب عنها أن الفكر الدرقاوي الذي ثابر شيخ الزاوية الدرقاوية في تافيلالت على نشره، قد أثمر عددا هائلا من المريدين والأتباع المخلصين له غاية الإخلاص، والذين تمركزوا في الجنوب الشرقي، كل في مجال قبيلته، للعمل على استنهاض السكان على محاربة النصارى، ورفع راية الجهاد، وعدم الاعتراف بالسياسة المخزنية المهادنة للمستعمر؛ لذلك فرخ الجنوب الشرقي عددا لا يستهان به من رجال درقاوة الذين أسسوا جملة من الزوايا على الطريقة الدرقاوية، كزاوية دويرة السبع في المجال السغروشني التي أسسها زعيمها مولاي أحمد ولحسن السبعي السغروشني الذي يعتبر واحدا من التلامذة المخلصين للشيخ سيدي محمد بلعربي الدرقاوي؛ حيث تتلمذ على يده لأيام طويلة في زاوية رحمة الله بمدغرة وزاوية كَاوز في تافيلالت، وكانت له به معرفة شخصية دقيقة، وكان يكن له احتراما ما بعده احترام. ثم هناك زاوية فركلة بقيادة الفقيه الشيخ سيدي علي الهواري الذي كان من الأتباع المخلصين للشيخ المدغري، وزاوية تودغة التي كان يترأسها الفقيه أحمد المهدي الناصري، ناهيك عن زوايا أخرى في كل من بومالن دادس، وقلعة مكَونة، وكَلميمة، وقصر السوق، والريش وغيرها من المناطق الأطلسية التي تشبعت بالفكر الدرقاوي، وتأثرت به منهجا وسلوكا، سيما وأن بداية القرن 20 امتازت باقتحام الفرنسين للجنوب الشرقي المغربي، فتحول هؤلاء الفقهاء وشيوخ الزوايا إلى زعماء قبليين ورجال بارود، وأصبحوا قادة للمجتمعات المغربية جنوب شرق المغرب، وخاضوا معارك مشهورة في الهوامش الصحراوية، كما هو الحال بالنسبة إلى مولاي أحمد ولحسن السبعي، الذي قاد معركة عديدة، مثل معركة المنابهة، والمنكَوب، و بوذنيب، وبوعنان، والجرف، وإفري، ومسكي الأولى والثانية، والمعاضيد، والذي استمر في قيادة المجاهدين ضد النصارى وكل من يسير في فلكهم إلى غاية 1917 عند ما سيطر الفرنسيون على الجنوب الشرقي المغربي بما في ذلك منطقة تافيلالت، قبل أن يتم طردهم منها في العام الموالي لتدخل الكثير من القبائل تحت سلطة متصوف آخر ذي نزوع سياسي، وهو مبارك بن الحيبن التوزونيني السوسي، ومن بعده خليفته بلقاسم النكَادي، وهما معا لم يخرجا عن الفكر الناصري والدرقاوي.

    وبذلك يبدو أن الزاوية لعبت أدوارا حاسمة في تاريخ المغرب الحديث من خلال تأطيرها للمجتمع القبلي في الجنوب الشرقي المغربي لما يربو عن قرن من الزمن، واستطاعت أن تفرض نفسها على السلطة المخزنية محليا ومركزيا، كما أثرت بعمق على توجهات ومخططات السلطة الكلونيالية، التي اضطرت في كثير من الأحيان إلى تعديل استراتيجياتها وأهدافها بفعل الضغوط التي مارستها عليها مؤسسة الزوايا في مختلف المجتمعات القبلية.

    عن مقال الزاوية والمجتمع القبلي والمخزن

    (الزاوية الدرقاوية نموذجا)لعبد الله استيتيتو بمجلة فكر ونقد

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين 06 مايو 2024, 09:29